06 يوليو 2009

حول حديث هيكل الأخير : حفرة الإتهامات الباطلة ضد انتفاضة الشعب العربي الأحوازي

ترك لقاء الاستاذ محمد حسنين هيكل مع السيد حسين عبدالغني في يوم الاثنين الموافق 29/6/2009 والذي بثته محطة قناة الجزيرة مساء اليوم ذاته انطباعا سيئا لدى المخلصين من العرب ممن يرون المسألة كلها يجب أن تنطلق في التقويم والتحليل من معيار الموقف القومي العربي،وليس حصره بجزئين هما:مصر وفلسطين،لكي ينطلق التحليل على أرضية فكرية وسياسية متماسكة، وليس للترويج الى جهة ايرانية انطلاقا من (صداقات حميمة مع البعض الايراني) وانتقاد لتيارات عريضة مصرية وعربية كونها لا تقرأ التطورات من منظور استراتيجي .
كما ووضع السيد هيكل الآخرين من المتابعين والمفكرين والكتاب بين ثنائيات لغمت بعناية من اجل فرض رأي أحادي على المستعمين،من قبيل المقارنة بين الرؤية السياسية الامريكية،والرؤية السياسية الايرانية والتصور الاسرائيلي مما ينبغي ان يقوموا به من اجل التقارب مع ايران،وإن كان ذلك بشكل غير مباشر،فيما لام العرب على عدم مبادرتهم للتقرب من ايران .. . هذا بتكثيف شديد الرؤية الهيكلية للتطورات الاحداث .

لا شك أن السيد هيكل قد لام البعض أو وجه نقده اليهم لأنهم لا يأخذون المراحل التاريخية والازمات التي شهدتها بنظر الإعتبار،في حين (يتناسى) الوضع الذي تفجر داخل ايران على المستوى القومي غير الفارسي داخلها،ففي العام 2005 تفجرت انتفاضة جماهيرية واسعة في القطر الأحوازي الشمالي على ارضية المطالب التي تتمحور حول طبيعة الأرض القومية العربية والمسعى الفارسي المعلن بالوثائق حول تفريس الارض وتهجير الانسان . . . تفجرت انتفاضة جماهيرية عارمة في شمال القطر الأحوازي وشملت كل مدنه وأغلب قراه العربية،وراح ضحية ذلك الخروج الإحتجاجي السلمي أكثر من 42 شهيدا أحوازيا خلال الأسبوعين الأولين من اندلاع تلك المظاهرات الإحتجاجية وتم إعتقال اكثر من 300 شخص،وفق ما ذكرته الصحيفة الالكترونية (ايران امروز) الايرانية،وكانت السلطات الايرانية قد تعاملت مع تلك الاحتجاجات بالنار والحديد،فكانت نسبة الضحايا تزداد يوما على اثر يوم على الصعيد الشعبي وكان تعامل تلك السلطات وأجهزتها القمعية المسعورة،كان تعاملا أمنيا بحتاً، في حين أن كل أسباب الأزمة المتفاقمة بين شعبنا العربي الأحوازي ، من جهة ، وبين سلطات الاحتلال الفارسي، من جهة أخرى ،هي أزمة سياسية بحتة ،بنيوية ومزمنة.
ثم جاءت الانتفاضة الكردية الواسعة في كردستان ايران العام 2006،والتي اقدمت فيها القوات الفارسية،الجيش وما يسمى بالحرس الثوري والباسيج (قوات التعبئة) في ملاحقة الاكراد داخل ايران والعراق،وما اعقبه من قتل وخطف واعدام والسجن والمطاردة، اما الانتفاضة الثالثة التي اِقترنت بثورة الشعوب غير الفارسية فما هو قد حدث في بلوشستان في العام 2006 و2007 وهذا العام 2009 حيث طالت الاعدامات والمطاردات والقتل العشوائي عشرات الاولوف للمواطنين البلوش،والذي ما تزال ردود افعاله قائمة حتى هذه السنة. ثم إندلاعها ايضا في العام 2006 ـ 2007 في مدينة تبريز عاصمة إقليم آذربايجان، وكانت ردود الفعل الأمنية هي ذاتها الوسائل والاساليب الوحشية المسعورة تجاه الشعب الآذري المطالب بحقوقه المشروعة التي تنتهكها بشكل سافر تلك السلطات الحاقدة في طهران . ولو امعنا النظر في مجمل هذه التطورات لوجدنا ان هناك عاملين اثنين يرتبطان بالسياسة الايرانية الرسمية،التي تقودها سلطة الملالي وهي : العنصرية الفارسية والطائفية الصفوية .

إنها وقائع وارقام ومشاهد بالصوت وصورة،وليست دعاية وايدلوجية،ويستطيع اي متابع يتميز بالرؤية السياسية الصادقة ان يلتقط الاساسيات من هذين البعدين للسياسة الايرانية .

ولا يخفى عن البال أن الحكام الفرس قد دمغوا جميع تلك التوجهات والانتفاضات بالارتباط بالسياسة البريطانية والامريكية هي ذات التهم التي يدمغها اليوم النظام الملالي الرسمي بجناح : خاتمي ـ موسوي ـ كروبي الذي اتفق السيد حسنين هيكل في معرض حديثه في القناة على أن الازمة او الخلاف الناشب هو داخل النظام وليس مع مجموعة معارضة للنظام . وقد ذكرت وكالة فارس، وهي وكالة أنباء ايران الرسمية ،حيث اعلنت يوم الاربعاء الموافق 1/7/2009:"أن التحقيقات الايرانية قد بينت الى "دور بارز"لأحد العاملين في السفارة البريطانية بطهران في الإحتجاجات الايرانية التي اندلعت منذ يوم الاثنين الموافق 15/6/2009 ضد نتائج الإنتخابات وضد احمدي نجاد" .
ولعل المعروف جيدا أن خاتمي صديق الاستاذ محمد حسنين هيكل كان قد روّج لحظة زيارته للقاهرة بعد أحداث الانتفاضة الجماهيرية الأحوازية أن البريطانيين يقفون وراء تلك الإنتفاضة الأحوازية التي اندلعت في العام 2005 (1)،مع ما في ذلك ظلم بين وجور واضح ورؤية فارسية معادية حاقدة،ولكن ما كان غير متوقعا بأن الاستاذ هيكل صدق ما سمعه من خاتمي وروّجه من على قناة الجزيرة ذاتها في تلك الأثناء وكانت السبب الذي جعلت شعبنا العربي الأحوازي بكل طبقاته وشرائحه يغضب من تلك التصريحات غير المسؤولة والباطلة اساساً التي روجها الاستاذ هيكل الذي على ما يبدو أنه (لا يعلم بأنه لا يعلم) شيئا عن الملايين البشرية الأحوازية التي تناضل وتكافح منذ العام 1925 ضد الإحتلال الايراني لسيادتهم والناهبة لخيراتهم والقاتلة لفلذات أكبادهم والمشردة لاسرهم والمغيرة للطابع الديموغرافي لارضهم العربية،في حين يعلم الجميع أن الصوت الغربي البريطاني ـ الامريكي الى آخره لم يسهم في ابراز الانتفاضة العربية المشار اليها سابقا في العام 2005 ولا غيرها من إنتفاضات شعبنا،لا إعلاميا ولا سياسيا .....

واليوم يقع هؤلاء الاصلاحيون في ذات الشبك التظليلي ويرفسون في ذات الشرك الذي اعتاد على تسويقه نظام آل فارس العنصري الطائفي،فالوضع السياسي الذي اعقب الانتخابات الايرانية وفجر ردود الفعل الواسعة في طهران وشيراز واصفهان وربما كان في تبريز ايضا،قد صورته وكالات الانباء العالمية وبثته بحكم تواجدها اساسا في طهران،والتي منعتها السلطة الرسمية الفارسية لاحقا،فيما كانت تلك الاصوات غائبة تماما عن مناطق الشعوب غير الفارسية في القطر الأحوازي وكردستان وبلوشستان واذربايجان،ولم تحظ بأي تغطية اعلامية .

فماذا يقول السادة الذين يظهرون الدعم لايران عن الجسم المؤيد للسلطة،ولكن المعترض على التصويت ممن نالته صفات العمالة للغرب السي اي ايه والبريطانيين ،والتي حاول الاستاذ هيكل التعامل معه بصورة ناعمة ولغة الغفور الرحيم ؟ فيما كان موقفه مع حق عرب الأحواز بمنطق شديد العقاب ؟

علما أن وثيقة منشورة وصادرة عن خاتمي بالذات ووقعها السيد ابطحي سكرتيره الخاص قد نشرت نصا على العلن وبكل اللغات العالمية فلم تأخذ الأجهزة الإعلامية بواشنطن ولندن ومن يدور في فلكهما اي اشارة اليها،مع ما في ذلك من إجحاف مقصود .

هامش :
(1) . لقد اخبرنا أحد المفكرين ممن حضروا اجتماع السيد خاتمي مع السيد محمد حسنين هيكل والذي قال الرئيس الايراني الاسبق في معرض اجابته بشأن التطورات الانتفاضة في الاحواز بأن البريطانيين يقفون وراء تلك الأحداث،علما أن البريطانيين المتواجدين في البصرة هم اصداقاء وحلفاء ايران في العراق ، ويستطيعون منع هذه التدخلات فيما اذا كان هذا التدخل قد جرى فعلا ، ولكن اغلب الحضور بما فيهم السيد حسنين هيكل قد صدق تلك المقولة الخاتمية من دون مناقشة وسؤال . إذ يبدو أن هذه الاشاعة الخاتمية قد لائمت هواهم،واليوم يقع خاتمي في ذات الحفرة التي حفرها للأحوازيين،فماذا يقول السادة العرب ممن صدقوا مخاتلات محمد خاتمي ومنهم الأستاذ محمد حسنين هيكل ؟ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق