11 مايو 2013

هل العرب متخاذلون إلى هذا الحد بحق "الأقصى" ؟!



د.محمود خلوف
أكاديمي وصحفي فلسطيني

أتابع منذ أيام المشهد العربي بهدوء مع تركيزي الشديد على تداعيات الانتهاكات الإسرائيلية الأخطر بحق المسجد الأقصى المبارك منذ احتلال القدس الشرقية عام 1967م، ما دفعني إلى تسجيل بعض الملاحظات وربطها مع معلومات ووقائع أخرى مستفيداً من تجربتي ليست القصيرة في تغطية نشاطات الجامعة العربية ومؤسسات العمل العربي المشترك.
المشهد الأكثر إيلاماً تمثل يوم أمس 10 أيار/ مايو بعدم مقدرة أكثر من 10 أحزاب وفعاليات مصرية وفلسطينية وعربية على حشد آلاف المتظاهرين نصرةً للمسجد الأقصى المبارك، حيث اقتصر العدد على أقل من 4 آلاف متظاهر في مسجد الأزهر وبضعة مئات في مدينة الإسكندرية.
المضحك المبكي في متابعتي للمشهد بعض التصريحات، فيما صدرت مواقف متقدمة وجريئة من حزب سياسي كثيراً ما عُرف عنه في مصر عدم قربه من السلطة على الأقل إبان حكم الحزب الوطني الديمقراطي الذي امتد لأكثر من ثلاثة عقود.
ففي الوقت الذي ركز فيه غالبية المتحدثين في مظاهرة مسجد الأزهر في القاهرة على دغدغة العواطف بعبارات إنشائية مللنا منها كثيراً، جاء بيان جماعة السلفية الجهادية في مصر لإظهار سبب عدم مشاركتها في"المليونية"، معللاً ذلك بأن الجهاد لا يحتاج إلى مليونيات، أو وقفات احتجاجية، ومطالباً الرئيس المصري د.محمد مرسي بفتح باب الجهاد وبفتح الحدود مع فلسطين.
ويبقى من المهم الإشارة إلى بيان الشيخ بسام الزرقا نائب رئيس حزب النور السلفي للشؤون السياسية، المطالب بـ"نصرة فقراء القدس بتكلفة "المليونيات التي لا تردع الصهاينة"، حسب تعبيره.
وجيد ما كتبه الشيخ "الزرقا" على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "77% من فلسطينيي القدس فقراء، لو دعمناهم مثلاً بتكلفة المليونيات التي لا تردع الصهاينة ليكونوا أقدر على الصمود، لكان خيرًا للقدس وللأقصى من مجرد الشجب".
وهذا يذكرني بدعوات الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة السفير محمد صبيح المتكررة بشأن ضرورة إصدار فتاو من المرجعيات الدينية لتخصيص دولار واحد سنوياً من كل مسلم في المعمورة لغرض دعم المسجد الأقصى المبارك.
وبالنظر إلى تصريحي ياسر محرز المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين، بأن "مليونية نصرة الأقصى" تهدف إلى توصيل رسالة بأن الشعوب العربية ليست منشغلة في شؤونها الداخلية كما يدعى الكيان الصهيوني، وأن قضية القدس هي القضية الأولى للعرب والمسلمين...، فلا بد من تذكير هذا المتحدث وغيره بأن القائمين على تهويد القدس مرتاحي البال عندما يجدون بضعة مئات فقط يخرجون من قاهرة المعز ومن مصر العروبة لمناصرة القبلة الأولى للمسلمين ومسرى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وفي السياق نفسه جاءت تصريحات د. محمد البلتاجي عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين اليوم بأن "قضية الأقصى والقدس ستبقى القضية المحورية المركزية للأمة جميعاً، والقضايا الداخلية لن تشغلنا عن القدس"...ولكن ليسمح لي البلتاجي بالقول: إن جماعة الإخوان والقوى السياسية الدينية كانت تحشد الملايين على مدار الأشهر القلية الماضية في ميدان التحرير وفي ميادين محافظة الجيزة وغيرها لدعم قرارات الرئيس د.محمد مرسي، أما عندما يتعلق الأمر بفلسطين والحرم القدسي، فإن هذه "الجحافل" تختفي.
وبما أن الأخ البلتاجي قال في كلمته لمناسبة "مليونية" مناصرة الأقصى بأن الدول العربية تغير موقفها عقب ثورات الربيع العربي، ولن تقف مكتوفة الأيدي مثلما كان يحدث خلال العهود المستبدة في الماضي، ليسمح لي بأن اقول له أن العبارات الإنشائية لا ترهب إسرائيل، وأن الرهان على مصر الكنانة مصر جمال عبد الناصر وثورة 25 يناير، وأنت يا أخي البلتاجي جزء مركزي من النظام الحاكم، فهل سحبتم سفيراً، أو حركتم جيوشاً، أم هددتم بفتح ملف معاهدة كامب ديفيد؟!.
وحتى لا يعتقد البعض بأنني أخط الكلمات لأزاود على الأخوة والأشقاء، أوضح بأنني لن أسمح لنفسي بأن أغلب أية مصلحة حزبية أو شخصية على مصالح الأمة، والواقع معاش وبإمكان الجميع تقييم ما يطبق على الأرض من عبارات الوعد والوعيد من دول الربيع العربي أو غيرها.
وفي سياق حديثي عما يجري في القدس، يؤسفني بأن عدداً لا يستهان به "مثقفي" الدول الشقيقة بعيدون تماماً عن متابعة السياسات الإسرائيلية، والمؤسف بأنه من خلال تواصلي مع عدد منهم من دول عربية عديدة عبر موقع التواصل الاجتماعي، أدرك بأنهم يجهلون الكثير عن قضية فلسطين، والمفجع بأنهم يعتقدون بأن فلسطين دولة كاملة السيادة، وعندما حاولت أن أشرح إلى أحدهم كان رده، "معلش الأمور واضحة أنتم تعيشون في دولة ولا ينقصكم شيء"، و"سبب معاناتكم بأنكم تريدون التوسع على حساب جارتكم إسرائيل"...أيعيش هذا على كوكب الأرض؟!!، وكيف يعتبر نفسه كاتب وصحفي، ومن صانعي الرأي العام؟!!.
فبما أن الأمور إلى هذا الحد من الجهل لدى المتعلمين، فما هو حال الأميين في المجتمعات العربية؟، وهل الجهل وعدم المطالعة، وعدم القراءة نحمل مسؤوليته لهذا النظام أو ذاك، أم أن الأفراد يتحملون جزءاً أساسياً في هذا الموضوع بالذات؟!.
إن هذا الشخص محور كلامي وغيره، لا يعرفون شيئاً عن سعي إسرائيل بين الحين والآخر لتمرير مشروع قانون يمنع أذان الفجر في المسجد الأقصى المبارك ومساجد أخرى في القدس بحجة إزعاج اليهود...كما أنهم لا يعرفون بأن مرحلة تقسيم الحرم القدس قد دخلت مرحلة الجد، وأن معالمها بدأت تتضح الآن أكثر من أي وقت مضى.
وقد يكون الكثيرون من ساسة العرب و"مفكريهم" وكتابهم يجهلون حقيقة أن اليهود في ساحات البراق (الذي سُلب، بسبب الخنوع العربي وجبروت الاحتلال، وحول إلى ما يسمى بحائط المبكى)، يحاولون باستمرار منع الأذان عبر سماعات المأذنة الفخرية "مأذنة باب المغاربة" الملاصقة للحائط، وأن إدراك الشرطة الإسرائيلية بأن المسلمين من سكان القدس لن يسلموا بالأمر جعل سلطات الاحتلال تفرض حلاً يقوم على تشغيل السماعات من المأذنة ولكن بصوت منخفض نسبياً.
إن عملي الطويل في تغطية مؤسسات العمل العربي المشترك يفرض عليّ بأن أصارح الأمة بالقول: هناك تقصير وخنوع وإذلال إلى درجة الخيانة، فالقمة العربية في سرت في شهر آذار/مارس 2010 أقرت ضخ نصف مليار دولار سنوياً، ومنذ ذلك الحين لم يصل لدعم القدس أكثر من 70 مليون دولار.
إن ما يجعل الفرد يصاب في حيرة، بأن اللجنة المصغرة التي عملت لتنفيذ قرارات قمة سرت بشأن تطوير منظومة العمل العربي المشترك، أوصت في حينه بإلغاء قطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة القسم الأهم في جامعة الدول العربية...وكاد أن يمر الأمر لولا وقفة القيادة الفلسطينية الجادة، ودول شقيقة مثل مصر، وغيرها.
ومن المؤسف بأن مثل هذه الأخطاء، بل الحماقات، يتم حجبها عن وسائل الإعلام، بل تحظر مناقشتها في العلن، مع أن الشعوب من حقها أن تعرف حجم المؤامرة، ومن حقها بأن تقيم مسيرة بناءً على معلومات، ووفق أسس سليمة.
وفي سياق الملاحظات التي تُسجل على الشعب الفلسطيني وقواه وفعالياته هذه الأيام، الإنشغال في قضايا ثانوية، لا يمكن أن تُقارن بحجم ما يتعرض له المسجد الأقصى من مؤامرات وخطط جادة لتقسيمه وحتى تدميره، ..فكم كان مؤسفاً انشغال إعلامنا، الكبير والمبالغ به بزيارة الشيخ يوسف القرضاوي إلى غزة المحتلة، وإشغال الناس بمناقشة الزيارة بين التأييد والمعارضة...في حين أن الحرم القدسي يئن من الجراح.
وكم كان مفجعاً أن نجد تقريراً مفصلاً في موقع صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية على الانترنت عن لقاء جمع ثلاثة من الشباب الفلسطينيين من محافظة الخليل مع مجموعة من سكان مستعمرة" افرات" المقامة عُنوة على أراضي الفلسطينيين شمال مدينة الخليل، في وقت تنتهك في حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية، وإسرائيل منشغلى في تهويد "الأقصى"، وتعلن فيه عن مشاريع بناء آلاف الوحدات السكنية في مستعمرات القدس ورام الله، وغيرها.
إن الملاحظات التي سجلتها سابقاً وبعد توقف لأكثر من 4 أشهر من كتابة المقالات، جاءت لتقول إلى الأخوة والأشقاء، كفى خنوعاً، وكفى خطابات وشعارات رنانة مطلوب الانتقال إلى مرحلة الجد والعمل للدفاع عن فلسطين ومقدساتها، مذكرهم بأن "الربيع العربي" من السهل أن يتحول إلى سراب أو صقيع إذا استمرت حالة الخنوع الراهنة.