22 أكتوبر 2018

دماء خاشقجي فى رقبة قاتليه



لا يمكن لأى صحفى مهنى مخضرم؛ أن يستبق التحقيقات ويعلن عن الأطراف المتورطة، ويشرع فى شن هجوم مباغت، حتى ولو كانت بحوزته مستندات ووثائق عن واقعة تمس دول بعينها، سربت معلومات عنها من الدولة التى ارتكبت على أراضيها الجريمة، إلا وكانت هناك أمور تدار بمعزل عن رجالات السياسة وأصحاب ارفع المناصب خاصة المخابرتية.
قضية خاشقجي نزلت على الجميع مثل السيل الجارف المتشبع بحرارة شمس سلخت جلود الجميع، نعم: هناك من تورط فى القتل ويجب محاسبته وتطبيق القصاص العادل عليه فى اسرع وقت... لكن ما يؤخذ على القنوات المعادية للمملكة أنها نقلت الأخبار عن الصحف الأمريكية كما جاءت حرفياً، وهذا يعنى أن الاستخبارات الأمريكية لها اليد الطولى داخل تركيا و تأتمر بأمرها، وملفى سوريا والعراق خير شاهد على ذلك.
حتى الآن السلطات التركية والسعودية تجريان تحقيقاتهما فى الواقعة، وقد أعلنت بالأمس المملكة فى بيان للنائب العام التحقيقات الأولية للتحقيقات والتى أثبتت بالفعل مقتل خاشقجى داخل قنصليتها بإسطنبول، وأنها ستواصل كشف ملابسات الحادث، مؤكدة أنه توفى فى شجار وتطور الأمر للقتل بالفعل، لكنها لم تتحدث عن مصير الجثة، علينا أن ننتظر بقية التحقيقات.
كانت قد نشرت تسريبات وربما تعرضت للتحريف الكامل من أجل المتاجرة بالقضية وتشويه المملكة، هذا ما يخص الإعلام المعادى للمملكة؛ لكن بصراحة وبكل صدق أثمن مجهود الصحافة الأمريكية خاصة المؤسسات التى عمل لديها، والتى أخذت على عاتقها بكل جدية ضرورة فضح الأمر والضغط على الجميع للثأر و القصاص من قاتليه، وهذا يحسب لها، على خلاف من التزم الصمت كعادة المؤسسات العربية التى لا تملك الجرأة فى الدفاع عن عناصرها، لا أريد الحديث فى هذا الأمر حتى لا يستغله المشتغلين.
علينا أن ننتظر الإعلان الرسمى الكامل عن الواقعة، من جانب السلطات التركية والسعودية، ومدى تورط سبعة من المقربين لولى العهد محمد بن سلمان، والذى ربما يكون فى القريب العاجل.
الروايات التى سربت عن الواقعة من الجانب التركى والذى تعمد تسريبها للإعلام الأمريكى والقطرى، اصابتنا بالفزع وتسببت فى شن هجوم ضارى ضد السعودية قبل التحقيقات الرسمية، وما جاء فى بيان المملكة عن كواليس الحادث تدعونا للتروى والتفكير طويلا، بسبب تناقض البيانات، لكن على كل حال علينا الانتظار أليس الفجر بقريب .
تعالوا نجلس على طاولة الشطرنج، أردوجان هذا الماكر الخبيث استطاع جهاز مخابراته التوصل للكواليس بالتفاصيل، فأسرها فى نفسه، وتمهل وتروى بعد أن تأكد باكتمال أركان الجريمة، حال افتراض ارتكابها بالخطأ أثر التعذيب كما افترض إعلامه، تحول من موقع "الطابية" إلى موقع "الوزير" بتسريب معلومات وصور وربما فيديوهات كما روج خارجيا، لتستكمل أمريكا اللعبة على طريقتها وتضغط لتمرير صفقات ستظهر ملامحها فى القريب العاجل.
كلنا نقف ضد الظلم والاستبداد ونطالب بالقصاص العادل، لكن فى قضية جمال خاشقجى يختلف الأمر بالنسبة للدول المستغله لمثل هذه الأزمات، بسبب كثير من الأمور منها قوانين والعقوبات، خاشقجي صحفي مخضرم وله باع طويل فى العمل الصحفى بالمملكة وانتقل للعمل فى صحف أمريكية، وكلن مقرب من الأسرة المالكة لسنوات طويلة ويعتبر صندوق أسود للمملكة، كما كانت له علاقات متشعبة بالأمراء على رأسهم الأمير الوليد بن طلال ومحمد بن نايف، ناهيك عن دوائر آخرى، فقد تلقى تعليمه فى أمريكا وعاش فترة تقترب من 15 سنة وحصل على الجنسية الأمريكية، كما عمل مراسل للصحف الأمريكية فى أفغانستان، فسجله كبير جدا وذات ثقل دسم.
المملكة العربية السعودية بالفعل اعترفت بوفاة خاشقجى داخل قنصليتها والتى تعتبر أرض خاضعة لسيادتها، وأحالت مسئولين كبار عددهم 18 بينهم عناصر فى جهاز المخابرات للتحقيق على رأسهم أحمد عسيرى المتحدث السابق للتحالف العربى الداعم للشرعية فى اليمن "عاصفة الحزم"، لكن للأسف الهجوم الاستباقي ضدها عتيدًا، ولهذا السبب الكثيرين لم يصدقوا ما جاء فى نتيجة التحقيقات الأولية التى أعلنها النائب العام، واستغل الإعلام المعادى الأمر لتزييف الحقائق والتشكيك قبل استكمال التحقيقات، وتعمد بعض المبتزين انزال سيل من الاتهامات على شخص الملك وولى العهد.
الغريب فى الأمر أن الروايات التى أطلقتها قناة "الجزيرة" تروج على نطاق واسع، وخرج علينا إعلاميين يفسرون ويحللون الأمر دون أدنى أخلاقيات مهنية، كما شرعت اللجان الإلكترونية المعادية لأوطانها وعروبتها، فى شن هجوم ضارى على المملكة وزجت بالإمارات ومصر فى القضية، وهذا ما يدعونا بالفعل لتعقل ما ينشر هنا وهناك وأن نحكم عقولنا حتى لا نقع فى براثن الظلم، وايقاع الاتهامات دون السماع للطرفين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق